ماذا فعل بي جورج قرداحي؟            من هي سيمون دي بوفوار؟؟؟؟            إمتنان قصيدة للشاعرة العراقية فيء ناصر             حياة محمد أركون بقلم إبنته سيلفي             مقولة اليوم لسيمون دي بوفوار : المرأة لا تولد إمرأة و إنّما تصبح كذلك       يمكننا شحن اللوحات أيضا إليكم : آخر لوحة وضعت على الموقع لوحة الرسامة اللبنانية سليمى زود             يقدم الموقع خدمات إعلامية منوعة : 0096171594738            نعتذر لبعض مراسلينا عن عدم نشر موادهم سريعا لكثرة المواد التي تصلنا، قريبا ستجد كل النصوص مكانا لها ..دمتم       نبحث عن مخرج و كاميرامان و مختص في المونتاج لإنجاز تحقيق تلفزيوني             فرجينيا وولف ترحب بكم...تغطية فيء ناصر من لندن             boutique famoh : أجمل اللوحات لرسامين من الجزائر و كل العالم             لوحات لتشكيليين جزائريين             المثقف العربي يعتبر الكاتبة الأنثى مادة دسمة للتحرش...موضوع يجب أن نتحدث فيه            famoh : men and women without Borders       famoh : femmes et hommes, sans frontieres       ***أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع            دليل فامو دليل المثقف للأماكن التي تناسب ميوله...مكتبات، ، قهاوي، مطاعم، مسارح...إلخ...إلخ           
سرديات عودة
يوسف ليمود يكتب: حكايات في السريع 22  (السبت 15 أيلول 2012)



الموت متعاشق في الحياة هنا حد أنه لا يكاد يمر يوم دون أن تسمع ميكروفون الجامع يعلن عن موت أحدهم وتوقيت الجنازة. ولا يكاد أسبوع يمر حتى يجلجل صوت الشيخ صابر، المقرئ، في أحد السرادقات مغرقا الجو في ماء لغده العميق. كنت أحب تلك العصاري التي يحمل الهواء فيها تلاوته من بعيد فيأخد الواقع الرخيص بعدا روحيا ينتشل كل هذا الموت المجاني من تفاهة التفاصيل اليومية. يخرج الشيخ صابر من الحارة التي يسكن آخر بيت يسدّها وهو أشبه بخرابة تحوي عدة غرف تقيم في كل غرفة أسرة كاملة. لكن الجبة والقفطان المكويان بعناية والمتسعان لكرش مهيب تفوح منه رائحة المسك لا يخبران بهذا الفقر، بل العكس. وحده القشف في أصابع اليد والقدمين يفصح عما خلف هذا المظهر الفخم من رقة حال. حين يكون في طريقه ليقرأ في سرادق ما يمشي جادا كما لو كان محاميا مشهورا أوكلوا له قضية الميت ليدافع عنه أمام الله. أما في الأيام التي لا يكون عنده شغل، يكون منبسطا، يقف مع هذا وذاك في الشارع ليهمس بنكتة ذات مغزى جنسي ويمضي سريعا بابتسامة متواطئة. سألته مرة: "انت ليه يا عم الشيخ صابر مش بتقدم
في الإذاعة؟ انت صوتك مايقلش عنهم في حاجة". رد بتأفف: "دول ولاد وسخة عايزين رشاوي واحنا ناس غلابة، وبعدين آهي ماشية، مافيش اكتر م اللي بيموتوا. أنا باقوم م النوم أرمي وداني على مكرفون الجامع، هو اللي بيقول لي رزق اليوم هيكون شكله ايه، يا إما وزة يا إما فرخة، لو الميت ابن حلال، قصدي ابن ناس يعني، باعرف اني هاسلّك زوري بورك الوزة، لكن لو كان غلبان زي حالاتنا فبتبقى فرخة، لكن برضو رضا. وهيّ نص لفّة في البؤ والورك بيكون اختفى. هو احنا بنلعب؟". لم يكن لدى الشيخ صابر طموح أكثر من كونه مقرئا، ولكن مع مطلع الثمانينيات، واعتلاء كل من هب ودب المنبرَ ليخطب في الناس، رأى الشيخ صابر في نفسه ملكة الخطابة فبدأ يقرأ في كتب التفسير ويحفظ الأحاديث ويصعد المنابر على استحياء أولا حتى صار خطيبا متمكنا يعتمد على قوة صوته أكثر من بلاغة قوله، وازدادت فخامته التي استمدت وقودها من الفقر والحاجة. علمت وأنا في الغربة بوفاته التي فاجأت الجميع، دون سن الموت ودون مقدمات، فتذكرت هواء العصاري الذي كان يحمل صدى تلاوته البعيدة، ولعلها كانت المرة الأولى التي يقرأ فيها ميت على نفسه في سرادق مقام بين جدران ذاكرة.


التعليق بقلم فضيلة الفاروق