ماذا فعل بي جورج قرداحي؟            من هي سيمون دي بوفوار؟؟؟؟            إمتنان قصيدة للشاعرة العراقية فيء ناصر             حياة محمد أركون بقلم إبنته سيلفي             مقولة اليوم لسيمون دي بوفوار : المرأة لا تولد إمرأة و إنّما تصبح كذلك       يمكننا شحن اللوحات أيضا إليكم : آخر لوحة وضعت على الموقع لوحة الرسامة اللبنانية سليمى زود             يقدم الموقع خدمات إعلامية منوعة : 0096171594738            نعتذر لبعض مراسلينا عن عدم نشر موادهم سريعا لكثرة المواد التي تصلنا، قريبا ستجد كل النصوص مكانا لها ..دمتم       نبحث عن مخرج و كاميرامان و مختص في المونتاج لإنجاز تحقيق تلفزيوني             فرجينيا وولف ترحب بكم...تغطية فيء ناصر من لندن             boutique famoh : أجمل اللوحات لرسامين من الجزائر و كل العالم             لوحات لتشكيليين جزائريين             المثقف العربي يعتبر الكاتبة الأنثى مادة دسمة للتحرش...موضوع يجب أن نتحدث فيه            famoh : men and women without Borders       famoh : femmes et hommes, sans frontieres       ***أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع            دليل فامو دليل المثقف للأماكن التي تناسب ميوله...مكتبات، ، قهاوي، مطاعم، مسارح...إلخ...إلخ           
سرديات عودة
الفصل الثاني من رواية  (الخميس 6 أيلول 2012)

*اللجوء إلى مارك
------------------------
عندما لمح رامي المحصّل يفتح باب العربة عدل ياقة قميصه بسرعة، فهو دائم القلق من أن تكون فانلته الداخلية ظاهرة. شد ياقة الجاكيت ليتأكد من تغطيتها تمامًا. مرّ المحصل دون أن ينظر إليه، فهو جالس هنا منذ ساعتين. توقّف المحصل عند الراكبة الشابة التي صعدت للقطار في آخر توقّف وفحص تذكرتها ثمّ مضى عائدًا نحو عربة المقصف. القطار ممتلئ بالركاب الذاهبين لنيويورك في عطلة نهاية الأسبوع. هذا هو وقت الذروة في أسعار السفر؛ كلّفته التذكرة مائة واثنين وعشرين دولارًا كاملة. لو كان قد أجّل سفره لصباح الغد لوفّر أربعين دولارًا، لكنّه كان سيفوت عشاء الدكتور درويش، وهذه أول مرة يدعوه لمنزله منذ سنوات. اشترى التذكرة الأغلى، ثمّ فاته القطار حين نام كالغبي في محطة واشنطن وفاته القطار. لا يصدّق أنه فعل ذلك. لكن بعد اثنتين وعشرين ساعة جلوس في القطار القادم من ميامي كان مُتعبًا، ولايدري كيف نام على رخام محطة الاتحاد في واشنطن لكنّه نام. وعندما استيقظ أدرك أن قطاره قد رحل، ومعه موعد العشاء وكلّ الترتيبات التي أجراها. وقبل أن ينهار تمامًا أسرع وأخذ القطار الأخير الذاهب لنيويورك. لا يعلم ما سيفعله هناك بالضبط، لكنّه سيفكر في الطريق.
باق حوالي ساعة ونصف ويصل نيويورك. لابدّ وأنّ هذه الفتاة ذاهبة لنيويورك أيضًا. تبدو في عمر ساشا ابنته. وضعت سماعات في أذنيها فور جلوسها وبدأت تستمع للموسيقى، لكنَّها أبقت الصوت منخفضًا. مالت عليه وسألته إن كان الصوت يضايقه فنفى. فتاة لطيفة. هكذا تبدو، لكن من يدري، لعلّها تسرق أبويها. تحسّس الأربعة عشر دولارًا الباقية في جيبه، وابتسم لنفسه في سخرية. لم يعد يشعر بالضغينة؛ حدث ما حدث ووصل إلى النقطة التي وصل إليها. لا يحمل ضغينةً ضد أحد، لا ضدّ ربِّ العمل، ولا ضد زوجته ولا ابنتيه. فعل كلّ منهم ما جُبل عليه، فما فائدة الضغينة؟ لكنّه حزين؛ لم يتوقّع كلّ هذا الجفاء. وغاضب على نفسه، فلو أنه ربّى بناته بشكلٍ أفضل، لو كان أقل تسامحًا أو تهاونًا معهم لربمّا عاملوه بشكلٍ أفضل. فكر في ذلك كثيرًا في الشهور الماضية، لكن في كلّ مرة يفكّر في الموضوع ينتهي لنفس النتيجة، وهي أن أوان هذا الكلام قد فات. تُرى ما هو حال سلمى؟ أتكون مثل ابنتيه، أم أن تربيتها بمصر جعلتها مختلفة؟ لم يرَ سلمى منذ كانت في العاشرة من عمرها، والبنات يتغيَّرن بسرعة في هذه السن. يتغيَّرن بسرعةٍ لا تُصدَّق. نظر في ساعته ثمّ في التذكرة: سيصل القطار إلى نيويورك قرب منتصف الليل، وسيتوجه مباشرة لمنزل الدكتور درويش، ثمّ يأتي مارك ويأخذه من هناك بعد العشاء ليقيم معه في بروكلين. وبمجرّد أن يستقر عند مارك سيُعيد التفكير في كلّ هذا.
رامي الجالس في عربة القطار وفي جيبه أربعة عشر دولارًا لم يكن دائمًا هكذا. كان ربَّ أسرة، ولديه ابنتين في سن الزواج، يعمل في شركة كبرى للعلاقات العامة بوظيفةٍ مرموقة تُدرُّ عليه دخلاً جيدًا سدّد منه كلّ أقساط البيت الكبير الذي يسكنوه بميامي. يعيش حياةً هادئة ومستقرة، وعلاقته جيدة بجيرانه وزملائه بالعمل. لم يكن أبدًا شخصًا مثيرًا للاهتمام أو محطّ أنظار الزملاء أو الجيران، ليس النّوع الذي تدعوه للعشاء في منزلك كي تفاخر به بقية المدعوين، لكنه شخص محترم ويُعتمد عليه هادىء وودود، مُحافظ في عاداته وأخلاقه؛ لكنّه يقبل بالاختلاف ولا يدسّ أنفه في شئون غيره. تخرّج من قسم الدراسات العربية بجامعة نيويورك، ثمّ عمل مع الدكتور درويش في مشروعٍ بحثي لمدة ثلاث سنوات. كان درويش يحبه ليس فقط بسبب القرابة البعيدة التي تجمعهما (ابن عم رامي متزوج من ابنة خالة درويش) وإنّما بسبب طيبته وصراحته.
كان رامي أيضًا مُثابرًا في عمله وهي صفة فارقة في حياة أيّ باحث، وتنبّأ له درويش بمستقبلٍ واعد إن واصل الحياة الأكاديمية. لكن وظيفة كبيرة بشركة مشهورة للعلاقات العامة والتسويق جعلته يغيِّر رأيه. وجد أن المرتب الذي سيحصل عليه في شهرٍ يفوق ما يمكن أن يحصل عليه في عامٍ بالجامعة حتى لو صار أستاذًا بها، فقبل. لم يُعجب قراره الدكتور درويش وقتها. استغرب مجرد تفكيره في العرض وترك الجامعة. وغضب لأنّ رامي تنازل عن الفرصة التي أتاحها له. كان درويش يحب رامي ويقدّره، لكنّه شعر أنه خصّه بتكريمٍ وتشريف العمل بجانبه، ثمّ تركه رامي من أجل حفنة دولارات: ياللرخص! تركه يرحل في امتعاض، وظلّ رامي يسأل عليه مرة كلّ عام، ويتلقىَّ منه إجابة مُقتضبة. لم يبادر درويش قط بالسؤال عليه، لكنّه سمح لرامي بمواصلة السّؤال عنه، ودعاه لمنزله في كلّ مرة أتى فيها لنيويورك. هكذا قابل سلمى حفيدته. كانت سلمى طفلة حبوبة، تسعى لصداقة من لا تعرفهم ولا تخشى الغرباء. وحين كان رامي يزور أستاذه في الصيف كان عادةً ما يجد سلمى التي تقضي الأجازة مع أمها بنيويورك. أحيانًا كان رامي يأتي بابنته ساشا معه ويأخذ سلمى معهما للسينما أو لنزهة. لكن كلّ ذلك انقضى. لم يعد يذهب لنيويورك في الأعوام الماضية، وحين فعل لم يعد درويش يدعوه للزيارة. وانحصرت علاقتهما في المعايدات السنوية من قبل رامي ورد درويش المقتضب عليها. لذا كانت دهشته كبيرة حين دعاه لهذا العشاء. وطبعًا حرص على تلبية الدعوة حتى لو كلّفه الأمر الدولارات الأخيرة في جيبه.
منذ رحل لميامي للعمل في تلك الشركة وحياته طيبة ومستقرة. وجدت زوجته ماريا، الكوبية المولد والتي تأتي عائلتها من أصول لبنانية، عملاً كمدرسة للغة الأسبانية بمدرسةٍ خاصة قريبة من المنزل، واستطاعا إلحاق ابنتيهما بجامعة ستانفورد المرموقة، بل وحصلت الكبرى، ساشا، على منحة دراسية تُغطِّي مصروفاتها بالكامل. كلّ ما كان يُنغِّص على رامي حياته هو شعوره بالوحدة. لم يكن قادرًا على شرح حقيقة ما يشعر به لأحد، وعندما يحاول أن يشرح لزوجته ماريا ما يقصده بالوحدة ينتهي الأمر بمشاجرة. لجأ لساشا، الكبيرة والأكثر عقلاً من مارتا، وحاول أن يشرح لها ما يعنيه بالوحدة، لكن الكلمات لم تسعفه. هو المترجم لم يجد من الكلمات الإنجليزية ما يُعبِّر به عمّا يقصده بالضبط. وساعتها اغتمّ أكثر، اجتاحه الشعور بأنَّ الوحدة هي بالضبط هذا، أن تشرح لابنتك شيئًا بلغةٍ ليست لغتك، ألاَّ يمكنها فهمك إن تحدّثت بلغتك. صمت تلك المرة وغيّر الموضوع، لكن ساشا كانت في تلك المرحلة التي تحاول فيها البنت أن تكون كبيرة، وأنّ تستمع لأبيها وأمها وتُحادثهما في أمور الكبار؛ كي تُبعد نفسها عن الصورة النمطية للمراهقة التي لا تتحدث إلا عن نفسها ولا تستمع لأحد. ظلّت ساشا تطارده، وأمام إصرارها بدأ يحكي. في البداية قال لها إنه يشعر بالوحدة بمعنى أنه يعتمد في حياته على نفسه كلية. ذكّرته بأنّ هذا هو وضع الجميع في أمريكا فأمّن على كلامها، لكن هذا ليس العالم الوحيد الذي يعرفه، فهناك عالم آخر مازال يذكره:
- عالم به أهل وأصدقاء يساعدونك في الشدّة، تكونين متأكّدة أنهم هناك، وأنّهم سيقفون بجانبك حين تحتاجين لهم، سواء كان هذا الاحتياج عاطفيًا أم ماديًا.
قص عليها قصصًا كثيرة من حياة عائلته التي كان يزورها وهو طفل في الأجازات، ومن حياة الأقارب والأصدقاء والجيران الذين بنى معهم علاقات ودّ أثناء العطلة الصيفية، يعود كلّ عامٍ فيجدها قوية، وكأنّه تركهم بالأمس فقط. قالت له إن الانسان يبالغ دائمًا في تجميل صورة الماضي فهز رأسه نافيًا في أسى. حكى لها كيف أنه لم يكسب أصدقاءً حقيقيين في أمريكا التي عاش فيها طول حياته، بقدر ما كسب أصدقاء في مصر التي لم يقم بها سوى خلال عطلات المدرسة. البعض يلوم ضيق الوقت لكن الحقيقة أن أسلوب الحياة نفسه هو السبب. سألها إن كانت تستطيع زيارة أى من أصدقائها دون الاتصال مُسبقًا، دون ترتيب موعد، وشرح لها كم يبدو ذلك مضحكًا إن حدث في مصر. الصديق هو من تعرفين أنّك يمكن أن تهبطي عليه في أية لحظة.
ظلّ يحكي وهي تستمع، وتُقاطعه من حينٍ لآخر بأسئلة، كلّما سألته كلّما انفتح في الحديث معها أكثر، حتى اعترف لها أن الوحدة تشمل التحدّث لبناته وزوجته بلغة غير لغته الأم، تشمل ألاّ يمكنهم مشاركته في الفرجة على أفلام شادية وسعاد حسني وماجدة، أو الاستماع لعبدالحليم سويًا، أن يحتاج للترجمة حين يتحدّث معهم، كأنّه مازال في الشركة، ترجمة بالنهار وبالليل، وليس فقط للكلمات بل ترجمة للمفاهيم. يجب أن يشرح حين يتحدّث عن شيء يحبّه أو يكرهه، أو حين يحكي لهم عن شيء جرى أو يجري في مصر. الوحدة أن يكون المرء في مكانٍ وكلّ من يحب في مكان آخر، وعليه أن يُحاول العبور لهم في كلّ مرة يحدثهم. لم يكن رامي يخطّط أن يقول كلّ ذلك لابنته، بل لم يكن يعلم أن هذه هي حقيقة مشاعره، لكنَّها لما سألته وأجاب وشعر بالحنان والأمان استرسل في الحديث حتّى انفتح باب في نفسه وخرج منه كلّ ذلك. عندما قال رامي هذه الكلمات لابنته الكبيرة العاقلة ساشا لم يكن يعلم أنه قد بدأ سلسلةً من التفاعلات ستنتهي بانهيار حياته بالكامل.
لم تنهار حياة رامي مرة واحدة، بل خُطوة خطوة في سلسلةٍ لم يكن من الضروري أن تفضي بعضها لبعض. بل على العكس، تبدو بعض هذه الأحداث غير مترابطة وغير مبررة، لكن هكذا تسير الأمور أحيانًا، فليست كلّ قراراتنا نتيجةً حتمية لما سبقها؛ أحيانًا نكون مُوزّعين بين اختيارين، ونجد أنفسنا وقد انجرفنا في طريق، ثمّ يسلمنا هذا الطريق لقرارٍ جديد وهكذا. بعد عامٍ نجد أنفسنا في مكانٍ لم نُخطّط إطلاقًا أن نصل إليه؛ أحيانًا نتراجع، ولكن في معظم الأوقات لا يمكننا فعل ذلك فنواصل التقدم. وأحيانًا نكون مُصمِّمين على المضي في طريق، ونكون مستعدين للتضحية بالغالي والنفيس في سبيله. ونرد  على أصدقائنا إن حاولوا ثنينا عن قرارنا بأنّنا نعلم الثمن الذي علينا دفعه ولكنَّ لا مناص، فهذا الأمر ضروري لنا كي نظلّ أوفياء لأنفسنا، كيلا نفقد ذاتنا أو كي نحققها، أو كي هذا أو كي ذاك، وبعد عشرين عامًا ننظر خلفنا ولا نتذكّر أصلاً لماذا فعلنا ذلك.
سلسلة الأحداث التي قادت لتدمير حياة رامي من هذا النوع: سلسلة من القرارات العارضة التي يتخذها المرء دون كثير تفكير، قاد كلّ منها للآخر وفي النّهاية إلى انهيار حياته التي بناها عبر ثلاثين عامًا. باح لابنته الكبرى العاقلة بمكنون نفسه، وبشعوره بالوحدة الذي يفتك به منذ جاء لأمريكا، وأدى ذلك البوح لأمرين: الأول أن ساشا، الكبيرة العاقلة، صُدمت من كلام أبيها، وأكّد لديها اعترافه ماكانت تشك فيه سرًا منذ وقتٍ طويل، وهو أن الأب لا يحبّهما حقيقةً، وإنّما وجد نفسه في حياةٍ مشتركة معهم فواصل هذه الحياة. وأنّها وأختها وأمهما في جانب، والأب الصامت الذي ليس لديه شيء يقوله لهنَّ في جانب آخر.
أكدّ اعترافه ماكانت تشك فيه سرًا ولاتجرؤ حتى على أن تقوله لنفسها، وهو أن الأب من نوعٍ آخر غيرهنَّ الثلاثة. هنَّ الثلاثة "طبيعيات" ومندمجات في الحياة حولهن، أما الأب فهو دائمًا الطرف غير المنسجم، الطرف الغريب، منذ كانا في المدرسة وحتى الآن حين تدعو زميلاتها للبيت. الأم الجميلة القوية، صاخبة بعض الشيء ولكنها تتصادق على كل زميلاتها وتغدق عليهن الطعام والرعاية والأسئلة، ومشهورة بين عائلات صديقاتها. الأخت مجنونة لكنها لا تختلف عن البنات مثيلاتها في هذا السن. الأب هو الشيء الغريب في حياتهنّ، هو العربي المهاجر، هو الذي لديه مشكلة في التأقلم دائمًا. ساشا لم تتعاطف يومًا مع منطق المهاجرين الذين يتركون بلادهم طوعًا لمكانٍ آخر ثمّ يشتكون من غربتهم. طول عمرها تشعر سرًا أن أباها ثِقل يسحبها بعيدًا عن الحياة الطبيعية التي تريدها، والآن يبدو أنه يريد أن يشدّهم إلى ماهو أبعد. لم تقل لنفسها كلّ هذا الكلام، لكنّه مرّ في خاطرها، ثمّ سألت نفسها السؤال المنطقي التالي: ماذا يريد بهذا الحديث؟ إلى أين يريد أن يقودنا؟
الأمر الثاني الذي نتج عن هذه المحادثة هو إدراك رامي نفسه للأبعاد الكاملة لما كان يشعر به في قرارة نفسه منذ سنوات، ولم يلحظه أو يصيغه في كلمات، أو حتى أفكار واضحة. وبعد أن فعل فوجيء بحجم الهُوّة التي تفصله عمّا يريد. فُوجيء بأنَّ حياته كلّها سارت في طريقٍ لم يريده، طريق صعب على نفسه احتماله. سأل نفسه لماذا لم يفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل؟ فكر قليلاً، ثمّ خلص إلى أنه ربّما فكّر في الأمر ولم يعره كبير اهتمام، فقد كان مشغولاً. كان يبني حياته، يبحث عن الاستقرار والتقدّم المهني، ثمّ تأمين وضعه المالي ووضع أسرته، وقبل كلّ ذلك يرعى زوجته وابنتيه ويهتم بتعليمهما وتربيتهما، والبيت، ومن بقي من أهله في مصر ومقتضيات المساعدة في الوفاء ببعض احتياجاتهم، كلّ ذلك كان أشدّ إلحاحًا وضغطًا على حياته اليومية وتفكيره من أن يترك له الفرصة للتفكير في وحدته. الآن، ومنذ رحيل الفتاتين للجامعة وشعوره بالوحدة يتزايد. في البداية فسرها بأنّها تلك الوحدة التي تصيب الآباء بعد رحيل أولادهم، لكنّه لما حاول الفضفضة لزوجته وفشل، ثمّ بحث عن أصدقاء ليشاطرهم الحديث، ولاحظ أنه ليس لديه أصدقاء حقيقيون أدرك أن المشكلة أعمق وأكبر. ثمّ جاءت ساشا بأسئلتها وحنانها اللذين أطلقا لمشاعره العنان. ومن ساعتها وإحساسه بالوحدة وبالغبن لاضطراره أن يعيش أسير هذه الوحدة يتفاقم، ويحتل مساحةً أكبر فأكبر من تفكيره ومن تركيزه. وكلّما فكّر في وحدته تلك أكثر كلّما زادت أهميتها في نظره، حتى لم يعد يفكّر في شيء سواها.
الأمران الناتجان عن عملية البوح لساشا العاقلة أحدثا أثرًا ثالثًا، عند ماريا. فعندما استبدّ القلق بساشا في أعقاب هذه المحادثة، ولم تستطع أن تستنبط وحدها هدف الأب من طرح هذه الأفكار الغامضة، قررت أن تُشرك أختها الأقل عقلاً، مارتا. فزعت الصغيرة، التي قبل الجميع دورها كمجنونة العائلة، لما سمعته، وصرخت في وجه أختها أن ذلك يعني ولاشكّ أن الأب يريد أن يأخذهم من أمريكا ويرسلهم ليعيشوا في مصر. استبعدت ساشا هذا الأمر باعتباره جنونًا مارتاويًا، لكن مارتا لم تسكت، وظلت تشرح لساشا العلاقة بين الأمرين. الأب في السابعة والخمسين من عمره، لم يعد لديه ما يطمح لتحقيقه في أمريكا، وبعد رحيلهما من البيت يشعر بوحدة، وهو شيء طبيعي. كما أن علاقته بالأم باردة بعد عقودٍ من الرّتابة الزوجية، وهو شيء طبيعي أيضًا. ماذا يفعل؟ سألتها مارتا في تحدٍ، وأجابت دون انتظار رد أختها: الناس الطبيعيون يدخلون في علاقات حبٍ جديدة أو يخونون زوجاتهم، أما المهاجرون غريبو الأطوار مثل أبيهم فيفكّرون في العودة لبلادهم الأصلية. لم تقتنع ساشا، فهذه ليست أول مرة تخرج عليها مارتا بتفسيرات غريبة لأمورٍ في غاية البساطة. فذكّرتها مارتا بما حدث لميرنا ولورا منذ عامين، وهدى التي فرّت من بيت أبيها عندما حاول إعادتها بالقوة لسوريا، وغيرهنَّ من أصحاب القصص المشابهة. ثمّ عاجلتها بالحجّة القاضية: "كلهم آباء لبنات في سننا، قلقوا فجأة مما سيحدث لبناتهن عندما يقتربن من سن الزواج، وكلهم رحلوا أو حاولوا الرحيل في هذا الوقت". لكن ساشا لم تقتنع بعد بالرغم من حجة مارتا القاضية.
كان من الممكن أن ينتهي الأمر هنا، لو أن مارتا المجنونة لم تهرع لأمها الفطنة كي تحذرها من المصيبة التي ستحل عليهن جميعًا، ومالم يكن الشك قد تسرب لنفس ساشا في نفس الوقت، حتى وإن لم تسلم بفكرة مارتا. كان من الممكن أيضًا للأمر أن ينتهي هنا لو أن الأب، السيد رامي نفسه، لم تأخذه الحماسة فجأة، ويقترح على ماريا القلقة أن يقضوا شهور الصيف الثلاثة في مصر، هم الذين لم يقضوا في مصر أكثر من أسبوعين متصلين. ماريا، التي تحب أن تصف نفسها بأنّها مزيج ثلاثي من العملية الأمريكية، والفتوة الكوبية، والشطارة اللبنانية، قررت أن تأخذ بزمام الأمور في يدها. وقد أدى قرارها ذلك لتسريع سلسلة الأحداث التي ستؤدي، بعد تسعة شهور من ذلك اليوم، إلى طلاقها من رامي وتجريده من كلّ ما يملك، ومن الحقّ في رؤية ابنتيه.
لم يكن يريد أن يتأخرّ على الدكتور درويش فهو مهووس بالدقة. وليس معه تليفون محمول كي يتصل به ويعلمه أنه لن يأتي. تخلّى عن المحمول مع الأشياء التي وجب عليه التخلّي عنها نهائيًا خلال الشهور الثلاثة الماضية. سيصل نيويورك عند منتصف الليل، ثمّ ماذا؟ سيكون العشاء قد انتهى، ولن يرى سلمى، ومارك سيذهب لمقابلته عند منزل الدكتور درويش. عليه أن يكون هناك في الثانية عشرة بالضبط وإلاّ فلن يستطيع العثور على مارك. بحث في التذكرة وفي الشاشات المعلّقة عن علامةٍ يقيس بها تقدم القطار فلم يجد. وعندئذ خلص إلى أنه لا مفر من السؤال إن كان يريد أن يعرف ما إذ أن القطار سيصل في موعده. فكّر أن يسأل الراكبة الشابة الجالسة إلى يساره، ثمّ تراجع. على الأرجح أنها لن تعرف. قرر أن يسأل المحصل، وظلّ يتحين عودته للعربة لكنّه لم يأت. بعد دقائق استجمع شجاعته، وقام متوجهًا لمقصف القطار؛ ليسأل أحد المحصّلين الجالسين هناك. مرّ بين العربتين وأفكارًا سوداء تعبر رأسه عن وقوعه على القضبان كالعادة عندما يمر بين عربتي قطار، ثمّ دخل المقصف، وتوجّه للمُحصّل يسأله. يهاب هذه اللحظة، لا يحب أن يسأل الغرباء، وبالذات الأسئلة التي يستشفّ منها جهله بالنظام. لام نفسه وهو يهمُّ بالسؤال: لو كان يعرف نظام مواعيد القطارات لما وضع نفسه في هذا الموضع. المحصل ينظر إليه بتحفّز مُنتظرًا السؤال. يتلعثم رامي قليلاً ثمّ يطرح سؤاله.
أجابه المحصّل دون اهتمام بأنّ القطار سيصل نيويورك متأخرًا سبع دقائق. شكره رامي بحرارة لم يلتفت لها المحصل، وشقَّ طريقه عائدًا. ينظر في الطريق للركاب الجالسين في مقاعدهم، ويحاول قدر استطاعته أن يبدو أليفًا. شدّ ياقة الجاكت مرة أخرى كيلا يبدو هندامه مُهلهَلاً، وابتسم لطفلٍ نظر إليه بحدّة ولم يجبه الابتسام، ثمّ عاد لمقعده وجلس ينتظر.
عندما يعيد رامي التفكير فيما حدث يجده طبيعيًا ومنطقيًا، بل وضروريًا. كان لابدّ – في رأيه هو – لكلّ هذا أن يحدث؛ المسألة كانت مسألة وقت، ولو كان حصيفًا لأعدّ العدّة لذلك بدلاً من أن يفقد السيطرة على الأمور، ويجد نفسه بلا مأوى وبأربعة عشر دولارًا فقط من كلّ ما ادّخره طيلة ثلاثين عامًا من العمل. ما يحزّ في نفسه هو البنتان، وموقفهما الذي لم يجد له تبريرًا. وجد له تفسيرًا، لكنّه ليس تبريرًا. لم يكن عليهما أن يفعلا ما فعلاه، ولا أن يقولا ماقالاه له، خصوصًا ساشا. مارتا طول عمرها مجنونة ويتوقّع منها هذه الأمور، أما ساشا، العاقلة، فكيف تفسّر سلوكه ومشاعره بهذه الطريقة، وكيف تظن أنه يمكنه أن يلحق بها أو بأختها الأذى؟ هذا ما لم يفهمه ولا يتقبّله إن فهمه.
يسأل نفسه كلّ يوم تقريبًا كيف يمكن لبنتيه أن يلومانه على مشاعره، على رغبته في الرحيل لمكانٍ يكون فيه أسعد حالاً، هو الذي لم يفعل في حياته سوى تشجيعهما على البحث عمّا يسعدهما. كيف يكون بحثه عن سعادته تهديدًا لهما أو لأمهما. وإذا كان قد اختلف مع ماريا، فهذا شأنه هو، لِم تأخذ البنتان جانبًا في مثل هذا الخلاف؟ لامهما كثيرًا، ولام على نفسه أكثر عدم قدرته شرح موقفه لهما بما يجعلهما يفهمانه. لكنّه لم يكن جيدًا في شرح مشاعره يومًا، وكلّما همَّ بالتحدث معهما انعقد لسانه وطارت الكلمات. يريد أن يقول أشياءً كثيرة، لكنّها تنتهي دومًا بأنّ تخرج من فمه في كلمات قليلة وغير محفّزة على النقاش، فترد البنت بكلماتٍ قليلة مثلها، وتموت المحادثة. شيء ما في طريقته يطفيء المحادثة، هذا ما قالته له ماريا ألف مرة على الأقل، وهو يعلم أنها محقّة في هذه النقطة.
الأمر الذي لا يجده رامي منطقيًا أو ضروريًا، أو حتى طبيعيًا هو فقدانه عمله في نفس الوقت. صحيح أن المثل يقول "إنَّ المصائب لا تأتي فُرادى"، لكن هناك أمثلة كثيرة، مثل "إنَّ الضائقة تنفرج حين تستحكم حلقاتها"، فلماذا تحقّق هذا المثل بالذات في حالته. بعد كلّ هذه السنوات من العمل في الشركة، وبعد الصّعاب التي مرّ بها والمكاسب التي حققها للشركة، والعلاقات التي نّماها مع زملائه ورؤسائه بل وأعضاء مجلس الإدارة، بعد كلّ ذلك يتمّ فصله، هكذا دون مقدّمات، مثل فيلم رخيص. رامي مترجم، وإن كان المسمَّى الوظيفي لمنصبه أكثر فخامة؛ كاتب كبير. كبير هي ترجمة غير دقيقة لكلمة SENIOR التي فشل رامي في العثور على ترجمةٍ دقيقة لها في هذا السياق، وهي في حدّ ذاتها مفارقة ظلّت تُذكّره بعبث الوظيفة التي يقوم بها. ما يفعله ككاتب كبير هو أساسًا ترجمة مواد إعلانية وترويجية من الإنجليزية للعربية، مع تحويرها بحيث تُلائم السوق العربي وذوق المستهلك. وهو يفعل هذا لعددٍ غير محدود من الشركات المتعاقدة مع شركتهم، أحيانًا لكلّ منتجاتها وأحيانًا لمنتج واحد. ومن ثمّ فعليه كتابة مواد ترويجية لأشياء متنوعة قد تكون حفّاضات، تليفونات محمولة، مشروبات غازية، مشروعات عقارية، جلسات تخسيس وتدليك، ساعات، شيكولاتة، سيارات، وعشرات السلع والخدمات الأخرى. يدخل مكتبه في الصباح وهو لا يعلم ماذا سيهبط عليه في ذلك اليوم؛ قد يكون طرازًا جديدًا من السيارات أو لبوسًا خافضًا للحرارة. لا يهم، وعليه أن يكون خلاَّقًا ويجد شيئًا جاذبًا في هذا المنتج. يأتي المنتج ومعه ملف يتضمّن موادًا ترويجية بالإنجليزية، وعليه أن يقدح ذهنه في ترجمة الرسالة الإعلانية لشيء يمكن استخدامه في السوق الخليجي، أو المصري أو الليبي، على حسب.  
برع في الأمر، بل ونجح في مرات أن يُوسّع السوق، ويأتي بعملاء جدد من أسواق الشرق الأوسط. فعل ذلك مثلاً مع مارك منذ عدة سنوات عندما أرسلتهما الشركة للأردن لمدة عام. لكن الشركة غضّت النظر عن كلّ هذا، وقررت إنهاء عقده. أتى لمكتبه في الصباح فاستدعاه مديره وأخبره أن الأزمة الاقتصادية تضطر الشركة لتركه يرحل. لا يريد أن يرحل. سأله عن علاقة الترجمة بالأزمة الاقتصادية، فقال له مديره إن الكثير من الشركات المتعاقدة معهم تقلصت أعمالها في الشرق الأوسط نتيجة الأزمة، ومن ثمَّ لم يعد الأمر يستحق الاحتفاظ به. قال له هذا، وابتسم. قال رامي بعض الأشياء التي تُقال في هذه الأحوال، لكن المشهد كان مُهينًا بدرجةٍ تتجاوز تحمّله، فابتسم ليحافظ على مابقي له من كبرياء، وأشاح بذراعيه في الهواء بروحٍ رياضية، وجمع خلجاته من المكتب ومضى. المضحك في الأمر أن ماريا استطاعت، بمعونة المحامي طبعًا، أن تضع يدها على مكافأة نهاية الخدمة ومرتب الشهور الثلاثة التعويضي. وها هو وأربعة عشر دولارًا في جيبه، وحقيبة كبيرة لا تحتوي إلا على بعض الملابس، جالس منذ ست وعشرين ساعة في قطار، ذاهب لشخص لم يره منذ سنوات في مدينةٍ لا يكاد يعرف فيها أحدًا.
انهارت حياته خلال عام بالضبط، ولكنَّ الشهور الثلاثة الأخيرة كانت الأشدّ قسوة. وقع الطلاق بعد ستة شهور من قرار ماريا أَخْذ زمام المبادرة، وفقد كلّ ما يملك خلال الشهور الثلاثة التالية، بما في ذلك عمله ومستحقّات نهاية الخدمة، كما أرغمته المحكمة بألا يقترب من بنتيه، أو من ماريا بمسافة خمسمائة متر، وذلك لمدة عام قابل للتجديد. وتبقى معه ستمائة دولار، عاش بهم خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك ثمن تذكرته لنيويورك. أقام خلال تلك الفترة في غرفة أحد الأصدقاء الذي كان في عمل خارج ميامي، ودعاه للإقامة مكانه دون مقابل حتى يجد حلاً لمشاكله. تخلّص من كلّ المصروفات غير الضرورية، كالمترو، والتليفونات، وتناوُل الطعام خارج المنزل، والذهاب للسينما وماشابه ذلك. كما ابتعد عن السِّلع المكلّفة كاللحوم ومعظم الفواكه وحبوب الإفطار، وبذلك أمكنه أن يعيش بخمسة دولارات في اليوم. لم يكن لديه أية فكرة عمَّا سيفعله بعد نهاية الشهور الثلاثة هذه. وبالأمس، في اليوم الأخير قبل عودة الصديق، اتصل مارك صدفة بتليفون هذا الصديق يبحث عنه لغرض ما فوجد رامي.
لم يكن رامي ومارك قد التقيا أو تحدثا منذ أكثر من عامين، لكن صداقة قوية كانت قد توطّدت بينهما خلال إقامتهما في الشرق الأوسط لحساب الشركة منذ عدة سنوات. وقتها لم يكن أيُّهما يحتاج للمساعدة. مارك يقدم نفسه دائمًا باعتباره ابن أقليتين، في إشارةٍ إلى أمّه الكاثوليكية وأبيه اليهودي. ورغم انعدام صلته بالدين اليهودي إلا أن اسم عائلته -نيومان- ومعرفته ببعض العبرية مكّناه من إقناع الشركة بإرساله لإسرائيل؛ لتسويق بعض منتجات الشركات المتعاقدة معها، وذلك في نفس الوقت الذي كان فيه رامي ذاهبًا لعمان لمدة سنة، ليعمل على تسويق هذه المنتجات في البلدان العربية.
لم يكن عملهما متداخلاً، لكنّهما تفاهما جيدًا سويًا، وأدارا عملهما بنجاحٍ منقطع النظير خلال هذا العام من مكتبٍ صغير استأجراه في العاصمة الأردنية. كان مارك يكره الإقامة في إسرائيل، ويشكو لرامي صعوبة التعامل مع الإسرائيليين ويدخل في مشادّات لا تنتهي معهم، ومن ثمّ قرر الإقامة في عمان التي كان يحب هدوءها وناسها. وقد جعل ذلك رامي أكثر انفتاحًا إزاءه، إلا أن الذي حبّبه فيه فعلاً هو قدرته غير العادية على اختراق حواجز الحرج والتحفّظ التي يحتمي بها رامي. مارك يتحدث بصراحة ودون خجل عن مشاكله مع عائلته ومع نفسه، ومع ديانته ومع الجنس الآخر، ومع عمله ومع الحياة في أمريكا، لدرجة أنست رامي أنه أمريكي. وبدأ رامي نفسه ينفتح في التعامل معه حتى أصبحا يقضيان معظم الأيام سويًا في عمان، وفي أماكن أخرى بالأردن لم يكن رامي يدري بوجودها أصلاً. عملا سويًا وعاشا سويًا، وسافرا كثيرًا ونجح عملهما نجاحًا باهرًا، وصنعا لنفسيهما ثروة صغيرة وكثيرًا من الذكريات، ثمّ عادا، وبعدها بقليل تشاجر مارك مع مديرهما وترك العمل بالشركة، ثمّ انتقل للعمل مع شركات منافسة، وانقطعت أخباره وتفرّقت بهما السّبل. انشغل رامي في حياته وعمله وأهله والمحيطين به، وغاب مارك عن دائرة اتصالاته حتى ذبلت الصلة بينهما. وهاهو فجأة على التليفون بالصدفة. سأله مارك عمّا يفعله في غرفة الصديق المشترك، وعلى غير عادته تجاوز رامي حاجز الكبرياء، وأفضى لمارك بما ألمّ به خلال العام المنصرم. عرض عليه مارك فورًا الانتقال للإقامة معه في منزله ببروكلين. قال إنه يمكنه البقاء مثلما يحلو له، ويمكنه أن يترجم بعض الأشياء للشركة التي يعمل بها، فهناك دائمًا بيان صحفي أو شيء ما يحتاج للترجمة، وربما يمكنه أن يترجم بعض الأشياء لموقع الشركة على الإنترنت أيضًا. فهم يعملون مع شركاتٍ خليجية، ومن وقتٍ لآخر يحتاجون لترجمة شيء صغير بسرعة، وهي شغلات صغيرة لكنّها تُدرّ مالاً. ربّما يستطيع أن يعمل منها خمسة أو ستة في الشهر، بما يدر عليه حوالي ألف دولار، وهو مبلغ لا بأس به في ظلّ الظروف الحالية. ثمّ من يدري، ربّما يخلو مكان أو يظهر شيء. هناك دائمًا أشياء تظهر إن كنت تعرف أحدًا، ومعارف مارك كثيرون. والشقّة كبيرة، ومن ثمّ لن يكون في طريق أحد.
هناك أيضًا السيارة النصف نقل الحمراء التي اشتراها مارك مُؤخرًا، ويمكنه أن يستخدمها في غيابه إن أراد. قال له مارك أن يأتي ولا يشغل باله بشيء، فما الحاجة للأصدقاء إن لم يكن في هذه الأوقات العصيبة. كان لطيفًا وودودًا، تمامًا مثلما كان أيام الإقامة في عمان، ولم يكن لدى رامي أيّ حل آخر، فقبل عرضه. اتصل بأستاذه القديم قبل سفره؛ ليرى ما إذا كان موجودًا وراغبًا في رؤيته، فعزمه على العشاء بمناسبة زيارة حفيدته. أشعره ذلك ببعض الراحة، كأنّه هو القديم وله أصدقاء ومعارف، وبيوت تدعوه. اشترى التذكرة بمعظم ما بقى معه من مال، وها هو ذا، في قطارٍ ذاهب لنيويورك لكن بعد فوات موعد العشاء، وربما موعد مارك أيضًا. حقيقةً، المصائب لا تأتي فُرادى.
خطر بباله أن يسأل الدكتور درويش عن وظيفة، لكنّه طرد الفكرة من رأسه بسرعة: لن يجرؤ، مهما كانت حالته سيئة. لا يستطيع إهانة نفسه لهذا الحد. علاقته بمارك تسمح بذلك، أما الدكتور درويش فأمر آخر. عليه الحفاظ على ما بقي له من احترام في أعين الناس الذين يعرفونه ويحترمونه. لا يستطيع أن يفقد هذا. كما أن الدكتور درويش لن يمنحه وظيفة بعد ماجرى بينهما في الماضي حتى لو كان لديه واحدة. لا، لا يستطيع طلب المساعدة من الدكتور. لكن سلمى يمكن أن تساعده.
سلمى تعرف ساشا منذ كانت تأتي لقضاء الصيف في نيويورك. صحيح أنهّما ليستا على علاقة وثيقة، لكنهّما كانا يستلطفان بعضهما كثيرًا وهما صغيرتان. كانت ساشا تلحّ عليه أن يصطحبها حين تعلم أنه ذاهب لزيارة الدكتور درويش وأنّ سلمى موجودة. كانت الطفلتان تحبان قضاء الوقت سويًا، أحيانًا كثيرة دون أن يفعلا شيئًا. فسلمى وقتها لم تكن تتحدث الإنجليزية سوى ببضع كلمات وجمل مفككة. وطبعًا ساشا لا تعرف العربية. لكنّهما يلعبان مع بعضهما دون ملل، في غالبية الأوقات دون وجود لعبة حقيقية – مجرد دمية تكفي. وكان هو يحب صداقتهما لأنّها توحي له بما يشبه إمكانية تحول ابنته لفتاة مصرية، على الأقل يومًا ما إذا ما أصبح لديها صديقات في مصر. كما كانت ماريا زوجته تؤيد هذه العلاقة؛ لأنّها تتيح لها التخلّص من ساشا بضعة أيام. وحين يذهبون لمصر في الأجازات كانت الفتاتان تلتقيان – دون أمهاتهما اللتين يرتبان الزيارة بالتليفون. كبرت سلمى وتوقّفت أمها عن المجيء لنيويورك لسببٍ لا يعلمه رامي. لكن الفتاتان وجدا بعضهما بالصدفة على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي الموجودة على الإنترنت، وأصبحتا تتبادلان الرسائل من وقتٍ لآخر.
لم تذكر له ساشا شيئًا عن سلمى منذ بدأت الأحداث، وهو لا يعلم شيئًا عن موقفها مما حدث بينه وبين البنتين، أو حتّى ما إذا كانت تعرف بما حدث. لكنّه يريد أن يراها كي يحكي لها ويسألها عن رأيها. ربّما تساعد. ربّما يمكنها أن تقنع ساشا بأنّه لم يقصد إيذاءها أو إيذاء أختها، بأنّه لم يفكر في اختطافهما أبدًا، بأنّ ذلك ظلم وجنون. ربّما لو اقتنعت سلمى لأمكنها أن تقنع ساشا بحسن نواياه. ربّما أمكنها تذكيرها بأنّه أبيها. أو على الأقل، يمكنها أن تخبر ساشا نيابة عنه أنه يحبها رغم كلّ مافعلت، هي وأختها المجنونة. وربمّا لو اقتنعت سلمى، ثمّ ساشا، ثمّ مارتا، لأمكنه أن يراهما من جديد، بعد أن تستقر أحواله مع مارك في بروكلين، بعد أن يجد عملاً جديدًا، ويقف مرة أخرى على قدميه. لكن ماذا سيفعل الآن؟ ربّما يستطيع العثور على سلمى في الصباح، إن لم تكن عائدة لمصر فورًا – لا، لا بد أنها باقية على الأقل لليوم التالي. ولكنَّ هل سيجده مارك الليلة، وكيف؟ وماذا لو لم يعثر على مارك هذه الليلة، أين يذهب؟
طرد هذا السؤال فورًا. ذكّر نفسه بعدم جدوى الخوف. صحيح أن أحداث العام الماضي كانت كابوسية، لكنّها في نفس الوقت حرّرته من خضوعه لمخاوفه السرية. عندما يحدث لك الأسوأ، لا يتبقَّى عندك الكثير كي تخاف عليه. ما اكتشفه رامي خلال العام أنه قد عاش حياته كلّها وهو يخاف، ويكتم الخوف عن نفسه. أدرك، بعد أن انهار كلّ شيء من حوله، أنه كان يخاف بالضّبط من حدوث ذلك. ظلّ يعمل ويكافح، ويبني علاقاتٍ حسنة بمن حوله، ويتفادى المشاكل، يُخلص للنظام ويتفادى أيَّ أمر يمكن أن يضعه في موقفٍ مخالفٍ للقانون أو للعرف. إقراراته الضريبية ملأها بمنتهى الأمانة، دفع كلّ فواتيره في موعدها، لم يخالف قانون المرور أبدًا، لم يرفع صوت الموسيقى يومًا في بيته، لم يُخرج القمامة في غير موعدها، لم ينظّم حفلاً في غير أيام نهاية الأسبوع، لم يشعل نارًا في غابة خارج الأماكن المسموح فيها بذلك، لم يشوِ لحمًا على الشاطيء، لم يفعل أيّ شيء يمكن أن يُفسَّر على أنه استهتار بالقواعد العامة، سواء كانت قانونًا أم مجرد عادات، وذلك على أمل أن يحتويه النظام ويحميه، فلا يجد نفسه يومًا في المواقف التي يجد فيها الكثير من المهاجرين أنفسهم: في الشارع، مطرودين من أعمالهم وحياتهم الاجتماعية تتهاوى من حولهم. لكن ذلك بالضبط ماحدث له. واستطاعت ماريا، التي كانت دومًا أكثر منه حيلة وأسرع، أن تُجنّد النظام لصالحها وتلوي قواعده، بحيث وجد نفسه في الشارع وحياته تتهاوى. لم يُسعفه أحد، لم يقف أحدٌ لنجدته، حتى بقّال الحي لم يدعه يأخذ مشترواته حين رفضت ماكينة الدفع قبول بطاقة ائتمانه. انفضّ عنه الجميع تمامًا مثلما كان يخشى.
في منتصف الطريق، في وسط تسلسل الأحداث الدرامية التي وقعت له، توقّف أكثر من مرة ليفكّر فيما يحدث. هل كان ذلك حتميًا فعلاً؟ ألم يكن يستطيع التراجع في المنتصف؟ لو كانت ماريا قد عبّرت له عن تفهّمها لمشاعره في بداية الأمر بدلاً من تهديدها له، لربّما لم يكن الأمر قد تطور بالشكل الذي تطوّر إليه. لو لم تكن مارتا بالسفالة التي أبدتها بعد ذلك مباشرة – وبدعم من ماريا، لربما لان موقفه ساعتها. ولو لم يكتشف أن ماريا كانت تسجّل محادثاتهم سرًا لما صمَّم على الطلاق بهذا الشكل. لكن شيئًا أسلم لآخر، حتى وجد نفسه في هذا القطار.
أثناء الشهور الثلاث الأخيرة، بعد أن توقّف عن محاولة استئناف الأحكام الصادرة لصالح زوجته، بعد أن استسلم لقدره الجديد – بل ووجد فيه بعض الراحة، قرّر أن ينفّذ ما اتهمه به الجميع؛ أن يعود لمصر. ضحّى بمقرّر الغذاء ليومين واشترى بطاقة اتصال دولي، واتصل بأخيه في القاهرة. استمرّت المكالمة الأولى ست وأربعين دقيقة، شرح خلالها لأخيه ماحدث خلال الشهور التسعة الأخيرة وما آلت إليه أحواله، وأخبره عزمه العودة لمصر، وتناقشا فيما يمكنه أن يفعله حين يعود. واتفقا في نهاية المحادثة على أن يتصل رامي به ثانية بعد ذلك بأسبوع، بحيث يكون قد استطلع بعض الأمور لتُمكِّنه من اتخاذ قراره.
قضى رامي هذا الأسبوع يرسم خُطط العودة، وما يمكنه أن يفعله حين يعود. يجلس في حديقةٍ عامة معظم النهار، ويسجل في دفتر صغير أسماء كلّ من كان يعرفهم في مصر، وآخر مرة تحدّث مع أو قابل أيًا منهم، وآخر ما لديه من معلومات عن هذا الشخص. في يومٍ آخر يذهب للمكتبة العامة، ويبحث على الإنترنت في الأنشطة التجارية الموجودة بمصر التي لها علاقة بخبرته، ويتصفّح مواقع شركات الإعلان والدعاية والعلاقات العامة، ثمّ يكتب ملاحظات حول أنواع العمل التي يمكن أن يقوم بها، وأسماء وبيانات الأماكن التي يجب أن يستطلعها. في يوم ثالث يسجل ملاحظات حول المكان الذي يمكنه أن يقيم فيه. في البداية طبعًا سيقيم عند أخيه. ويمكن أيضًا أن يقيم بشقتهم الصغيرة في الإسكندرية حتى تستقر الأمور. يسجّل ملاحظة بذلك، ثمّ تذكّر البيت الذي كان والداه يقيمان به في كوبري القبة، ربّما يكون من الأنسب أن يقيم بهذا البيت، فيسجّل ملاحظة كي يسأل أخيه عنه، وهكذا. ما تبقّى في بطاقة الاتصال يكفي للحديث لمدة ست عشرة دقيقة؛ فكّر أن يشتري بطاقةً أخرى، لكنّه قرر في اللحظة الأخيرة ألا يفعل. سيتّصل ويتحدّث مع أخيه بما لا يتجاوز هذه الدقائق، ويشتري البطاقة بعد ذلك للمكالمة التالية. وقد كان قراره صائبًا، لأنّه بهذا قد وفّر لنفسه عشرة دولارات ستُطعمه لمدة يومين كان سيخسرهم دون سبب. فالمكالمة الثانية لم تستغرق أكثر من ست دقائق، ومازال رامي يحتفظ ببطاقة الاتصال ودقائقها المتبقية في محفظته.
رامي رجل مُهذّب وودود، ولا يحب المواجهات ويميل لالتماس العذر للآخرين، لكن ذلك لا يعني أنه عبيط. وقد فهم من الدقيقة الأولى للمحادثة ما يريد أخوه أن يقوله له، وبعد أن قضى دقيقة ونصف يستمع لتلعثمه سأله مباشرة إن كان ينصحه بعدم العودة لمصر، فأراح أخاه من عناء اللف والدوران، ووفّر لنفسه دقائق إضافية في بطاقة الاتصال. ردّ أخيه بالإيجاب، ثمّ قضى دقيقتين أخرتين يشرح لماذا يعتقد أن عودته في هذه الظروف ستكون كارثة؛ تضعه في موقفٍ لا يحتمل اجتماعيًا، وتضرّ بالأسرة كلّها، وكيف أنه لن يستطيع أن يقف على قدميه في سوقٍ لا يعرف عنه شيئًا ودون مهنة مطلوبة في مصر، وفي سنِّه هذا ومع استحالة تأقلمه مع الحياة في مصر في ظلّ تعوّده على نمط الحياة الأمريكي. وعندما سأله عن بيت الوالدين ردّ أخوه بعصبية أن النبش في مثل هذه التفاهات لن يحلّ المشكلة، وأنّه مُرحّب به إن أراد القدوم ضيفًا لأي مُدةٍ يريدها، أمّا فكرة الاستقرار في مصر فهي أمر آخر، ومتطلباته لا يقوى عليها. شكره رامي لصراحته وتواعدا على مداومة الاتصال، وأغلق الخط قبل أن يستهلك دقيقةً سابعة بلا جدوى.
يفكر رامي في كلّ ذلك، ويهز رأسه ساخرًا من نفسه ومن حياته. يُعيد عدل ياقة الجاكت للمرة العاشرة، ويرقب بقلق من نافذة القطار.الراكبة الشابة غادرت في المحطة السابقة. عربة القطار خاوية تقريبًا يبدو أن القطار يدخل محطة "بن-نيويورك". فجأة عاد السؤال: ماذا لو لم يعثر على مارك أمام بيت درويش؟ كان الاتفاق أن يأتي لاصطحابه بعد العشاء، وقال مارك إنه سيأتي قبل منتصف الليل بقليل. ماذا لو كان قد جاء وانتظره ورحل؟ أو سأل الدكتور درويش فقال له إن رامي لم يأتِ للعشاء فظن أنه غير الخطّة ورحل؟ أين سيذهب رامي بدولاراته الأربعة عشر الأخيرة؟ ليس لديه شيء: لا مال ولا بطاقة ائتمان ولا أي شيء. ولا يعرف حتى أين يسكن مارك. يمكن أن يُحاول الاتصال به، لكن ماذا لو كان تليفونه مغلقًا أو خارج الخدمة. أين يذهب؟ وماذا لو كان مارك قد عرض عليه المجيء من باب الإحراج أو حتّى الخداع؟ لكن لماذا يخدعه مارك؟ لماذا يجرّه إلى هنا ويعطيه أملاً كاذبًا إن لم يكن يريد مساعدته؟    هل يريد الانتقام منه لشيء فعله في الماضي؟ يفكّر بسرعة إن كان قد فعل شيئًا لمارك في الماضي ولا يجد. فلماذا يجرّه إلى هذا المكان كي يتخلّى عنه إذًا؟ لماذا يتودّد إليه حتى يدفعه للقفز في ذراعيه، ثمّ يتركه يهوى على الأرض؟ لكن يمكن أن يرحل مارك من الزهق، بعد أن ينتظر ولايجده.
عقل رامي يعمل بسرعة شديدة الآن، والقطار يتوقّف داخل المحطة. أين يذهب لو لم يجد مارك أمام منزل درويش؟ أين يقضي الليلة؟ لا يمكنه أن يطلب من الدكتور درويش إيواءه، لا يجرؤ على ذلك، ويعلم أن الدكتور درويش لا يحب هذه الأشياء البتة. ماذا يفعل إذن لو لم يأت مارك؟ هل يجد فندقًا يقبل به دون بطاقة ائتمان؟ وكيف سيدفع؟ هل يمكن أن ينزل في فندق رخيص، ثمّ يبحث عن عمل ويدفع عندها؟ لكن من الذي سيوظّفه؟ لقد حاول في ميامي ولم يلقَ سوى السخرية. لم يتمكّن حتى من العثور على وظيفة ساقي في بار؛ لا خبرة له، ولا أحد يريد رجلاً في منتصف العمر وذي لكنة وسحنة عربية. ربّما يجد وظيفة في محلّ برجر، في المطبخ. لن يلحظ أحد لكنته هناك، لا زبائن ولا أطفال تمتعض وجوههم حين لا يفهمون حديثه. ولكنَّ كيف يجد وظيفة في محل برجر  اليوم أو خلال أسبوع؟ لا، لن تسير الأمور بهذه الطريقة. يفكر إن كان يعرف أحدًا يمكنه أن يساعده؛ هل يبتلع ما بقي له من كبرياء ويطرق باب الدكتور درويش في منتصف الليل ويسأله أن يأويه؟ ثمّ يسأله في الصباح أن يجد له عملاً؟ لا يمكن، لن يجرؤ، وإن طرق الباب فلن يفتح له أحد في هذه الساعة. من سيساعده إذًا؟ هل يبيت في سنترال بارك؟ وإلى متى؟ معه أربعة عشر دولارًا يمكنه أن يعيش بها ثلاثة أيام لو قضى اللَّيل في سنترال بارك. لكن ماذا يفعل بعد ذلك؟ يفكّر ويعلم أنه يتوه بأفكاره: لا يعرف أحدًا أصلاً كي يسأله المساعدة. لكن لِم سيختفي مارك؟ ألم يكن هو من عرض المساعدة؟
الركاب يغادرون القطار، ورامي يجر قدميه وحقيبته شبه الفارغة. الركاب القلائل يخرجون من القطار بسرعة؛ إما يقابلهم أحد أو يتوجَّهون بثقة لمكانٍ ما، أما رامي فيسير وهو يُقدِّم رِجلاً ويؤخّر الثانية. يمشي وكأنّه لا يريد أن يمشي. يؤخر خروجه من الرصيف لصالة المحطة كأنّه يؤخّر مقابلة مصيره الذي لم يعد يعرف كيف يواجهه. يخاف السّاعات القليلة القادمة، والقرار الذي يجب أن يتّخذه ولا يعرف ماهو. يجرّ حقيبته ويسير بخُطىً مُتثاقلة ويكاد لا يقوى على رفع عينيه ناحية صالة المحطة في نهاية الرصيف. لكنّه يسير، مُضطرًا، ويلقي بنظرة خاطفة نحو الصّالة المظلمة لعلّه يجد مارك واقفًا. لكن لماذا يظن أن مارك يمكن أن يأتي للمحطة وقد اتفقا أن يلتقيا عند بيت الدكتور درويش؟ يسأل نفسه مرةً أخرى إن كان قد أعطى مارك العنوان الصحيح. يصل لصالة المحطة ويلقي نظرة سريعة على المكان؛ لا أحد في الصالة غيره، طبعًا لا أحد. المطاعم مُغلقة والأضواء خافتة. فكّر أن عليه الإسراع ليلحق بالمترو الذاهب لبيت الدكتور درويش، لكنّه لا يجد طريقه للمترو. كلّما ذهب من ممرٍ وجده مُغلقًا. "ربما يمكنني أن أبيت هنا، على هذه المقاعد، وفي الصباح أذهب لمقابلة الدكتور درويش وسلمى، وأبحث عن مارك من هناك". فكّر وقرّر، وواصل السير في ممرات محطة بن بحثًا عن مكانٍ ينتظر فيه الصباح.
-----------------------------------------------------------------------------
الفصل الثاني من رواية "عناق عند جسر بروكلين" للكاتب المصري عزالدين شكري فشير، صدرت أواخر 2011 عن دار العين بمصر و وصلت إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر لهذا العام 2012



التعليق بقلم نوارة الأحرش