ماذا فعل بي جورج قرداحي؟            من هي سيمون دي بوفوار؟؟؟؟            إمتنان قصيدة للشاعرة العراقية فيء ناصر             حياة محمد أركون بقلم إبنته سيلفي             مقولة اليوم لسيمون دي بوفوار : المرأة لا تولد إمرأة و إنّما تصبح كذلك       يمكننا شحن اللوحات أيضا إليكم : آخر لوحة وضعت على الموقع لوحة الرسامة اللبنانية سليمى زود             يقدم الموقع خدمات إعلامية منوعة : 0096171594738            نعتذر لبعض مراسلينا عن عدم نشر موادهم سريعا لكثرة المواد التي تصلنا، قريبا ستجد كل النصوص مكانا لها ..دمتم       نبحث عن مخرج و كاميرامان و مختص في المونتاج لإنجاز تحقيق تلفزيوني             فرجينيا وولف ترحب بكم...تغطية فيء ناصر من لندن             boutique famoh : أجمل اللوحات لرسامين من الجزائر و كل العالم             لوحات لتشكيليين جزائريين             المثقف العربي يعتبر الكاتبة الأنثى مادة دسمة للتحرش...موضوع يجب أن نتحدث فيه            famoh : men and women without Borders       famoh : femmes et hommes, sans frontieres       ***أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع            دليل فامو دليل المثقف للأماكن التي تناسب ميوله...مكتبات، ، قهاوي، مطاعم، مسارح...إلخ...إلخ           
سرديات عودة
مقطع من رواية "وصية المعتوه، كتاب الموتى ضد الأحياء" للكاتب إسماعيل يبرير (الخميس 25 نيسان 2013)


بعد أن صلينا على ميتنا- وكنت أصلي مجدّدا بعد سنوات من توقفي عن ذلك- همّ الشباب بحمل النعش والإسراع به إلى المقبرة فتدخّل أبي وطلب مني أن نحمل نعشنا ونمضي به.. حملت النعش وأنا مدفوع بجموع الماشين في الجنازة، تدريجيا لم أعد أنا الذي يحمل النعش، وأصبحت متشبثا به ثمّ تحوّلت إلى شيء لاصق بالنعش. نسيت أننا نتّجه إلى "الجبانة الخضراء" وتصوّرت أن جدّي سيُدفن إلى جوار أصدقائه الموتى المسيحيين في مقبرته، كنت أتخيّل أيّ قبر سيتّخذ هذا الذي ملك كلّ القبور، لكنّ خيالي توقّف عن ذلك بمجرّد الدّخول إلى مقبرة المسلمين، واشتدّ صياح الجميع في فريقين، أحدهما يردّد "لا إله إلا الله" والآخر "محمد رسول الله"، وفجأة توقّف الجميع لا يعرفون أين يتجهون، نطق الشّيخ "الماحي" موجّها الكلام لأبي "يا لخضر هاه ها ورّاه قبر بويك؟" وبدا وكأنّ أبي يلتحق بشقيقي فلم يجب، كرّر الشيخ الماحي السؤال فاضطر أبي إلى القذف بخطوات إلى اليمين ثمّ إلى الشمال، قبل أن يصدر جملة واضحة من شفتيه اللتين لم تكفّا عن التحرّك "يا الطالب كان القبر هنا" وأشار بأصبعه إلى عمق المقبرة حيث العشرات من القبور، وشرع الجميع وكأنهم يبحثون عن طفل مفقود، كلّ يسعى لترجيح احتماله، كان جدّي قد قرّر أن يحفر قبره بعد وفاة جدّتي منذ واحدٍ وعشرين سنةً، وأسبوع وعشر ساعات، فهي ماتت قبل مولدي بسنة كاملة بالتمام والكمال كما ظلّت تردّد أمي، ونحن الآن في الساعة الثانية زوالًا. حفر إذن القبر وأغلقه كأن بداخله ميتا وأحضر أخي الذي كان طفلًا وأبي الذي كان كهلا وعرفا مكان القبر، وانتظر أن يموت في الأشهر الموالية، لكنَّ رغبته بدأت تخفُت وأقبلَ على مقبرة النصارى بشغفٍ أكبرَ من قبل، وهكذا.. نسي هو أنه سيموت، ونسي أبي أمر القبر، ونسي الجميع أخي. بقينا على تلك الحال لساعة ونحن نبحث عن القبر المحتمل، فيؤكّد البعض أنهم شاهدوا جدي وهو يحفر ولم يكن قبره بعيدا بأكثر من عشرين متراً عن مربع الشهداء، ويقول البعض لم يكن كذلك، فقد شاهدوه وهو يحفر أمام المدخل الآخر قرب السّور، وأبي ينفي الفرضيتين ويشير ببلاهة إلى عمق المقبرة الذي تتدافع فيه القبور، ثمّ قرّر الشيخ الماحي أن نحفر قبرا جديدا ونقبر الرّجل، وكثر اللّغط فرفض نصفهم القبر الجديد ما دام الميت قد ترك وصيته وحفر قبره، وناصر البقية دعوة الإمام الماحي لتجديد القبر، أما أنا فكنت مشدوها من الصراع الفكري الذي نشب فجأة في مقبرة المسلمين، من أجل رجل خدم في مقبرة النصارى.. انسحبت من الجدل القائم وتجوّلت بين القبور أقرأ شواهدها وأحسب أعمار الموتى، وجدت أنّ جدي قد تفوّق على الجميع، عمّر بعد أن حفر قبره عقدين من الزّمن، لهذا فقد قرّرت أن أحفر قبري عندما أبلغ الستين، وسأكتفي بثمانين سنة أعمل ستين سنة منها في مخبزة محترمة، فأضمن الخبز لأهلي، سبع خبزات كلّ صباح بالإضافة إلى أجري.. فجأة حملوا نعش جدّي، اعتقدت أنهم قرّروا العودة به إلى أن يعثروا على قبره، أو لعلّه أفاق من موته وسبّهم وقرّر أن يدلّهم على القبر، عدت أرى ما الجديد فوجدتهم قد اتفقوا أخيرا على حفر قبر جديد، والساعة الآن تشير إلى الرابعة مساء، ما يعني أني تجاوزت العشرين بأسبوعٍ واثنتي عشرة ساعة، نصف يوم يفصلني لأدخل الأسبوع الثاني بعد العشرين. حملوا نعش جدّي واتجهوا به إلى أقصى جنوب المقبرة، حيث وجدوا قبرا محفورًا ومُهيّأ، سرعان ما جاء موكبه، دخل أصحاب الميت الجديد بعد صلاة العصر، بينما ما يزال ميّتُنا ينتظرُ دورَه في الدفن، إنه دَفْنٌ عسير بعد عمرٍ طويل، طلب الشيخ الماحي من القادمين مع جدي الانسحاب والتوجه إلى أقصى شمال المقبرة لإتمام مراسم الدفن العسير، واتجه الجميع في موكب صامت هذه المرة إلى أقصى الشمال، عيون الجميع على الباب الشمالي فربما يدخل موكب ميت آخر، فنعود إلى موقعنا الأول.. قرّر الإمامُ أن يحفر القبر في مكان ما، لكن حفار القبور عارضه، وشرح له الأسباب العلمية والمنهجية التي تتعارض مع ذلك فاقتنع، وانزاح به أمتارا نحو قلب المقبرة إذا افتُرض أنّ لها جسدا.
عندما تأهبّ حفّار القبور ليضرب الفأس الأولى صاح به أبي: "لن يحفر قبر أبي أحد غيري... أنا من ضيّع وصية والده أنا من ضيع قبر أبيه"، وامتلأت عيناه دمعا بينما كانت يده تمسك مقبض فأس الحفار، هذا الأخير لم يطلق فأسه وبدا أكثر إصرارا على إتمام مهمته، وأكّد لأبي أنّه لن يطلب مالا مقابل ذلك، لكن أبي أكد له أن المال لا يعيد الموتى، وأنه فقد والده ولا يفكر الآن في المال، فلو عرف أن مال الدنيا يعيد له والده لدفعه. كدتُ أُوقِفُ هذا العرض الساذج وأضرب رأسيّ المتحاورين، فأبي لا يملك مال الدنيا ولو ملكه فإنه لن يعيد له جدّي، وسيكون من الغباء أن تدفع مال الدنيا من أجل رجل كجدي قطع عمره بالطول والعرض وملّ من الحياة، وربما أكل عليه الدهر وشرب وتبوّل أيضا، في حين يشكو كلُّ سكان ديار الشمس من العوز المزمن والفقر المدقع. وحفار القبور الذي أظهر لهفًا لدفن جدّي كأنه قاتله لا يحتاج إلى قبر جدّي كي يشفى من عقده. أصبحت السّاعةُ السادسةَ والنصفَ، هكذا قال أحدهم، وقد دخل المقبرة ثلاثة موتى جدد بالإضافة إلى جدي، دُفن الجميع وما يزال جدّي ينتظر، حفر أبي القبر مقوسا، فعلّق أحدهم "هل سيدفن والده راكعا؟"، ورغم أن الجميع أرادوا التدخّل لتصحيح الوضع إلا أنه ظلّ يبكي ويصرّ أنه من سيحفر قبر والده، عندما همّوا بدفن جدّي تعّذر عليهم الأمر فتدخّل حفّار القبور يعدّل ما أفسده أبي بشراهة وهو يتمتم بما لا أسمعه. في الساعة السابعة والنصف دفن جدي ورفع أذان العشاء فانصرف الشيخ الماحي إلى المسجد بعد أن أمضى ثلاث صلوات في المقبرة ينتظر إتمام الطقوس التي لم تتمّ بسهولة، استغرق موت جدّي عشر دقائق، ودفنه عشر ساعات كاملة.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقطع من رواية جديدة بعنوان "وصية المعتوه، كتاب الموتى ضد الأحياء" للكاتب إسماعيل يبرير ، وهي الرواية التي فازت بجائزة الطيب صالح في صنف الرواية في دورتها لعام 2013 



التعليق بقلم نوارة الأحرش